بوتين والدب الروسي

أخبار العالم

بوتين والدب الروسي
صورة من الأرشيف
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/hafx

الدب في روسيا ليس حيوانا عاديا. فهو بطل القصص الشعبية والأمثال. وهو سيد الغابة، الذي لا منازع له بين الوحوش، وهو رمز السلطة والقوة.

أما في الغرب، فقد كانت صورة الدب الروسي السلبية، ولا تزال جزءا من الواقع الإعلامي اليومي.

ولا أحد يدري اليوم لماذا تسمي وسائل الإعلام الغربية القاذفات الروسية، الاستراتيجية النووية "توبوليف-95" و"سوخوي-24" المخصصة للأهداف الأرضية، بالدببة الطائرة.

يجب القول أن الدب ظهر في الغرب رمزا لروسيا في القرن الثامن عشر، ليعكس "عدوانيتها" و"بربريتها"، في حين كان وجهها الأوروبي برأي الغربيين قناعا خارجيا: فالروس بالنسبة للفيلسوف الألماني غوتفريد فيلهيلم من ليبنيتس (1646-1716) مثلا كانوا "دببة مهجنين".

وأحيانا كان الدب في أوروبا يتماهى مع الإمبراطورية الروسية العظمى، لكنه بقي في الغالب رمزا لروسيا "المتخلفة" و"الجاهلة"، التي يحاول دون جدوى إصلاحها أباطرة متنورون مثل بطرس الأكبر وكاترين الثانية.

وذلك ما كان يمنح الأوروبيين من ناحية شعورا بتفوقهم الحضاري، ومن ناحية أخرى كان يلقي في نفوسهم الرعب من أن يصحو هذا الحيوان "الخبيث". وأحيانا – كانت تظهر لديهم الرغبة بترويضه أو على الأقل بوضع الأغلال في عنقه.

وقد ساعد بث الرعب من الدب الروسي "المتوحش" الغرب في رسم سياسته الخارجية المعلومة نحو الاتحاد السوفياتي أيام "الحرب الباردة".

ونجد الصورة السلبية نفسها لهذا الحيوان حتى في أحد كتب تفسير المنامات العربية، حيث إن "من رأى الدب في المنام فربما يدل ذلك على شريد في حاله أو خبيث في همته، غادرٍ بأصحابه، مكار مخادع طالب للشر في صنعته، وربما يكون عدوا أَو لصا محتالا مخنثا، وربما سارقا يسرق الناس، وربما يدل على.. امرأة" (!!!).

أما صورة الدب في الثقافة الروسية فهي متفاوتة: حيث كان يظهر عادة في القصص الشعبية، التي جمعها في منتصف القرن التاسع عشر، الأديب الكلاسيكي الفولكلوري الروسي ألكسندر أفاناسيف، في دور جشع ودنيء وغبي، بينما كان الدب السوفياتي في كتب الأطفال وأفلام الكرتون بليدا طيب القلب. ما وجد انعكاسا على سبيل المثال في رمز الألعاب الأولمبية في الاتحاد السوفياتي عام 1980 الدب الروسي الصغير اللطيف "ميشكا".

ولم يحدث التحول النهائي في صورة الدب داخل روسيا إلا بعد اعتلاء فلاديمير بوتين سدة الرئاسة. فقد كانت روسيا بحاجة إلى رمز قومي جامع مناقض للرموز السوفياتية، وإلى خلق صورة جديدة للرجل الروسي المستقل، متميزة عن الصورة الاشتراكية الجماعية السوفياتية المفتقرة إلى الرجولة الفردية، حيث يجب أن يمثل المواطن في روسيا الجديدة الاستقلالية، القوة، والثقة بالغد، وغياب القلق، الذي طبع "التسعينيات العجاف" من القرن الماضي. وأصبح أمرا عاديا عندما يلجأ بوتين لاستخدام صورة الدب الإيجابية للحديث عن شؤون السياسة الدولية.

وقد كانت إحدى أهم مهمات الدعاية السياسية المعاصرة، التي وضعها لنفسه "حزب السلطة" الروسي إضفاء ملامح إيجابية على الدب الروسي منذ أن أصبح شعارا لحركة "الوحدة"، التي تحولت في عهد بوتين إلى حزب "روسيا الموحدة".

وأصبح الدب يتألق على شعارات الكثير من المدن الروسية.

وليس مصادفة أن يصبح رمز مجلة "مدفيد" (الدب) الروسية المعاصرة للرجال دبا جبارا في بذلة السموكينغ.

وعلى أي حال، من المهم أن لا يحاول الغرب ترويض الدب الروسي ووضع الأغلال في عنقه لنزع مخالبه وقلع أنيابه (كما يحذر بوتين).

حبيب فوعاني

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا